برنامج: في بيت رسول الله
عنوان الحلقة: وقت رسول الله ﷺ
يسأل كثيرون كيف كان يوم رسول الله ﷺ. أوّلا كثيرا ما اختلفت أيام رسول الله ﷺ بين يوم وءاخر وذلك يعود لاختلاف المشاغل والطوارئ التي تطرأ. لكن كان من عادة رسول الله ﷺ أن يصلّي الصّلوات الخمس في المسجد وكان الرّسول عليه الصلاة والسّلام يستيقظ فجرا فيصلّي الفجر مع صحابته ثمّ يذكر الله تبارك وتعالى في المسجد شيئا من الوقت ويحدّث صحابته بما يحتاجون إليه ثمّ يغادر بعد ذلك لبيته. وكان رسول الله ﷺ أحيانا يصلّي سُبحة الضّحى وهي صلاة الضّحى بعد طلوع الشمس قدر رمح أي بقدر ثلث ساعة تقريبا إلى صلاة الظّهر. وكان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يَقيلُ أحيانا قبل صلاة الظّهر يَقيلُ أي من القيلولة فكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يستعين بالقيلولة على قيام اللّيل، وذلك لأنّ قيام اللّيل فيه من العبادة والخير والصّلاة والذكر والثّواب الشيء الكثير. وكان سيّدنا الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كثيرا ما يخطُب خُطَبَه بعد صلاة الظّهر فيُنادى في النّاس مثلا الصّلاةَ جامِعة فيجتمع الناس فيصعدُ المِنبر فيخطب فيهم إذا أراد أن يعلّمَهم أو أن ينبّههم أو أن يحذّرهم أو أن يُرشدهم ويعلّمهم عليه الصّلاة والسّلام. وكان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يُحبّ النومَ بعد العصر فإنّه لم يكن محبوبًا. وكان عليه الصّلاة والسّلام يأكل ما وجده من الطّعام ما كان يَعيبُ طعامًا وما كان عليه الصّلاة والسّلام يطلب مستلذّات الطّعام. وكانت العرب آنذاك تأكل مرّتين في اليوم مرّةً أوّلَ النّهار ومرّةً ءاخر النّهار وتسمي الأكلة الأولى التي تكون قبل الظّهر غداءً وتسمّي الأكلة الثانية وهي التي بعد الظّهر عَشاءً. وكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يصلّي المغرب في المسجد ويصلّي العشاء في المسجد ثمّ يعود لبيته وكان لا يُطيل السّهر إنّما كان يتسامرُ مع زوجاته ويُدخل السّرور إلى قلبهنّ وينام مباشرةً حتّى يستيقظ لقيام اللّيل. وكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام إذا دخل بيته جزّأ دُخوله ثلاثة أجزاء، فكان يَقسِمُ وقتَه في بيته ثلاثة أقسام. كان جزءٌ لله للصّلاة وللنّوافل وللذكر والتّلاوة، وكان جزءٌ لأهله لزوجته ولحاجاتهم ومسألتهم وكان جزءٌ لنفسه. فكان عليه الصّلاة والسّلام يَقسمُ وقته ثلاثة أقسام يتعبّد في القسم الأوّل وأما في القسم الثّاني وهو ما كان لزوجاته وأهله فوَرَدَنا عن رسول الله ﷺ من ذلك أشياء. منها أنّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام كان يكون في خِدمة أهله، فإذا حضر وقت الصّلاة خرج من البيت حتى يصلّيَ الفريضة في المسجد ويعود بعد ذلك. وكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام في بيته بشرًا من البشر. يَخصِفُ نعلَه ويَحْلِبُ شاتَهُ ويُنظّف ثوبَه وكان عليه الصّلاة والسّلام يقسِم جزءَ نفسه بينه وبين الأمّة وهذا من عظيم كرمه عليه الصّلاة والسّلام. كان يؤثرُ أمّته على نفسه في جزئه الخاصّ فقد وَرَدَ أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان يستقبل النّاس في جزئه في وقته. وكان إذا كَثُر النّاس عليه قدّم ذوي الفضل منهم. وكان عليه الصّلاة والسّلام يقضي حاجاتهم فمنهم صاحبُ الحاجة ومنهم صاحب الحاجتين ومنهم صاحبُ الحوائج كان يسمعُ لحاجاتهم ويقضيها. كان يدُلّ ويُعلّمُ ويُرشد ويُساعد. كان يُفرّج كربات المكروبين وكان يقضي حاجات الملهوفين. وكان عليه الصّلاة والسّلام يأمر خاصّته ويُرْشدُهم بشيء يعود بالنّفع على العامّة ويقول ألا فلْيُبَلّغِ الشّاهد منكم الغائب. وكان عليه الصّلاة والسّلام يقول أبْلِغوني حاجةَ من لا يستطيع إبلاغي حاجتَه فمن بلّغ السّلطان حاجةَ من لا يستطيعُ إبلاغَ حاجتِه ثبَّت الله قدميْه يوم القيامة وذلك لأنّ هذا الإنسان حرّك قدميْه في الدّنيا وجاء إلى السّلطان حتّى يخبرَه بحاجةِ إنسانٍ له حاجة فالله تعالى يُثبّت قدميه يوم القيامة عند الحاجة لثبات القدميْن. فالنبيّ عليه الصّلاة والسّلام كان يطلب من النّاس أن يُخْبَرَ بحوائجهم فقد أُخْبِر رسول الله ﷺ ذات يوم عن شخص مات ليْلًا وكان هذا الإنسان يَقُمُّ المسجد أي يُنظّفه ويُزيلُ الوسخ فقال عليه الصّلاة والسّلام هلّا أبلغتموني ذلك أي لماذا لم تُعْلِموني أنّ هذا الانسان قد مات حتّى أصلّي عليه لكن كان من جميل حُسْن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن ذهب فصلّى على قبره، فكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُحِبُّ أن يُبَلَّغَ حاجات النّاس حتى يقضي حاجاتهم. ورسول الله ﷺ كان يقول بورِكَ لأمتي في بُكورها فكان يُحبُّ أن يبتدئ أموره منذ الصّباح الباكر. كان يُرسل الرُّسل وكان يُرْشد النّاس ويدلُّهم ويُعلّمهم ليبدؤوا يومهم بالخير.
إخوتي، كثير من النّاس اليوم يتكلّمون عن أهميّة الوقت ويتكلّمون عن إدارة الوقت. لو نظرْنا في سيرة النبيّ عليه الصّلاة والسّلام لوجدْناه قائدًا حقّ القائد. لم يكن للنبيّ عليه الصّلاة والسّلام وقت ضائع في الملاهي وفي الدّنيا وفي الأمور التّافهة أو التي ليس لها شأن أو خير. سيّدنا رسول الله ﷺ كلّه بركة ووقته بركة. بارك الله له في وقته. فانظروا إخوة الإيمان بُعِث نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام وهو ابن أربعين ومات وهو ابن ثلاثٍ وستّين. عاش ثلاثًا وعشرين سنة أرشدَ النّاس إلى دينٍ إلى شريعةٍ فيها كلُّ الخير، علّم النّاس كيف تتعبّد كيف تُصلّي وكيف تصوم وكيف تُزكّي وكيف تَحُجّ، كيف تقرأ القرءان وكيف تعتكف في المسجد. علّم النّاس كيف تتزوّج وكيف تُطلّق، كيف تُربّي الأولاد وكيف تَصِلُ الأرحام، كيف تَبَرُّ الأهل. وعلّم النّاس كيف تكونون في البيت وكيف تكونون خارج البيت، كيف تكونون في الطرقات وفي الأسواق، كيف تُكلّم مَنْ تعرف كيف تُكلّم مَنْ لا تعرف فعلّمهم ما يحتاجونه في المجتمع. علّم النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمور المعيشة كيف نبيع ونشتري كيف نَقْتَرِض وكيف نَقْرِض وكيف نَرْهَن، كيف نستأجر وكيف نشترك، كيف نُوَكِّل، كيف نَهَب وكيف نَتَّهِب، كيف نرعى الماشية وكيف نزرع الزّرع وكيف نُثَمِّرُ الثّمر. علّمنا رسول الله ﷺ أمور الاقتصاد، كيف يكون لنا اقتصاد ناجحٌ ناجع فجاء بأجمل اقتصاد وأنفعِه للمجتمع والنّاس. علّم رسول الله ﷺ قضاءً عادلًا، كيف يصير الانسان قاضيًا وكيف يَعْدِلُ في قضائه، متى يدخل القاضي ومتى يخرج، متى يقضي ومتى لا يقضي، متى يتكلّم ومتى يسكت، متى يتكلّم الشّاهد ومتى يتكلّم المدّعي ومتى يتكلّم المُـُدّعى عليه وكيف يكون القضاء مُحِقًّا. علّمنا النبيّ عليه الصّلاة والسّلام كيف نضبِطُ أمور الأحياء وأمور الأموات، فعلّمنا الميراث وتجهيز الموتى من تغسيلٍ وتكفينٍ وصلاةٍ ودَفْنٍ إلى غير ذلك. علّمنا عليه الصّلاة والسّلام قانونًا يَصْلُحُ لِكُلِّ زمن ولِكُلِّ وقت ولِكُلِّ مجتمع ولِكلّ فئات النّاس. جاء بشرعٍ سماويّ أنزله الله تعالى عليه وهو رجُلٌ أمّيٌّ لا يقرَأ، لا يقرأ المكتوب ولا يَخُطُّ بيده فلهذا معجزة من الله تبارك وتعالى كيف أنّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام بورِك له في وقته فجاء في هذا الوقت القصير بكلّ هذه العلوم والفنون التي يحتاج الإنسان فيها إلى عُمُرٍ طويل حتى يفهمها. فما أحْلاه من رسول وما أحلاها من بَرَكة، فرسول الله عليه الصّلاة والسّلام مَدْخَلُهُ ومَخْرَجُهُ وقتُهُ وبيْتُهُ كلامُهُ وحياتُهُ كلُّ ذلك بَرّكة. وءاخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.