بسم اللهِ الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيّدنا محمد خاتم النبيين وأشرف المرسلين وعلى سائر إخوانه النبيين وآل كل والصالحين.
إخوة الإيمان نلتقي مجددا في شهر رمضان الكريم مع القرآن العظيم نتلو شيئا من آياته ونذكر بعضا من أحكامه ونسأل الله سبحانه وتعالى حسن النّية والقول والعمل ونسأله العفو والعافية وحسن الختام.
كما بينا كان سيدنا عثمان أرسل مصحفا إلى مكة ومصحفا إلى المدينة، هذا المصحف المكي كان سيدنا عبد الله بن كثير يُقرئ بهذه القراءة وكان له راويان أحمد البَزّي وقنبل، نقرأ شيئا من هذه القراءة بإذن الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءانٌ مُّبِينٌ (69) لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءالِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83).
صدق الله العظيم.
هذه القراءة يظهر فيها الفرق بين رواية حفص وبين قراءة عبد الله بن كثير المكي إن كان من رواية البَزي ورِواية قنبل، {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ} أو في شُغُل برواية حفص بضم الغين وفي قراءة ابن كثير بتسكين الغين، وكذلك بالنسبة لميم الجمع يصلها بواو إن لم يكن بعدها ساكن فيصلها يضمّ الميم ويصلها بواو، هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ وأهل الجنة شغلهم في نعيم، الدنيا دار عمل والآخرة هي دار الجزاء، شغلهم أنهم يتمتّعون بما أنعم الله عزّ وجلّ في جنات النعيم، والله سبحانه وتعالى أخبر بقوله عزّ وجلّ: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} قراءة ابن كثير {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نَنْكُسُهُ فِي الْخَلْقِ} يظهر لكل إنسان أن الذي يُعمّر بعد أن كان في حال قوة في حال شبابه ينتقل في حال شيبته إلى ضعف وإلى أن يُردّ إلى أرذل العمر حتى لا يعلم بعد أن كان عالما حتى لا يعلم من بعد علم شيئا يُصيبه الخرف ونحو ذلك، نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا ممن يعتبر ممن يعتبر بغيره، الذين يعملون للدنيا فقط يريدون الدنيا مصير الدنيا معروف مصير الطعام معروف واللباس مصير اللباس الذي كان يُبذل ثمنه يُبذل أحيانا بعض الناس يشترون أشياء بثمن غالٍ لكن مصيرها إلى المزابل وكذلك هذه الدنيا مصيرها إلى فناء، فهنيئا لمن حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت، وكذلك في هذه السورة في آخر سورة ياسين الله عز وجلّ يقول: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ} هذا الإنسان لو فكّر في نفسه من هذه النطفة، الله عزّ وجلّ حَوّله حتى صار بشرا سويا من نُطفة من نطفة لا حياة فيها، {َكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} الله عزّ وجلّ جعل حياة في هذا الإنسان من هذه النطفة يُخرج الحيّ من الميت وجعل للإنسان سمْعا وبصرا وتفكيرا وإدراكا، الله عز وجلّ يقول: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} كان أحد الكفار جادل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وجاء بعظم بالٍ فتّه عند النبي عليه الصّلاة والسّلام بيده، وقال يا محمد أيُحي الله هذا العظم بعدما صار رميما، نزلت الآيات: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} اللهُ عَزّ وجلّ الذي خَلق الإنسان أول مرة والذي خلق السموات التي هي أشدّ من خلق الإنسان {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم}.
الله الذي خلق السّموات والأرض قادر على أن يَخلق أمثال الناس وأن يعيدهم بعد مَماتهم لأنه سبحانه وتعالى لا يُعجزه شيء، وفي آيات أخرى يذكر الله عزّ وجلّ إحياء الأرض بعد موتها نرى كل سنة هذه الأرض بعد أن يأتي الخريف ويأتي الشتاء نرى الرّبيع يأتي وهذه الأرض بعد أنْ ماتت، الله عزّ وجلّ يحي الأرض يعد موتها، وهو عزّ وجلّ يُحيي النّاسَ بعد موتهم لأنه على كل شيء قدير.
نسأل الله عزّ وجلّ أن يَجعلنا ممن ينتفعون بكتابهِ العَزيز، إنه سميع مُجيب والحمدُ لله ربّ العالمين.