fbpx

قالت – الحلقة: 1

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قالت يذكر الرجال ولا نذكر ذات يوم، كانت خادمة أم سلمة رضي الله عنها تمشُط شَعْرها، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: «يا أيها الناس»…. قالت: فقلت للجارية: استأخري عني… تريد أن تذهب لتلبيَ نداءَ النبي صلى الله عليه وسلم وتسمع ما عنده… فقالت لها الجارية: “إنَّما دعا الرجال ولم يدعُ النساء”… أجابتها أم سلمة رضي الله عنها، صاحبةُ الفهم وبعد النظر والهمةِ للمشاركة في الخير: “إني من الناس”… هذا الفهم الواضح والإقبال من أم سلمة واختلافُ ردة فعلها عن ردة فعل الجارية ليس مستغربًا…. فهذه أم سلمة… التي كانت من السابقين الأوَّلين لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم…. هذه أم سلمة، التي هاجرت الهجرة الأولى والهجرة الثانية… أم سلمة، التي أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يفعل يوم الحديبية فأخذ بمشورتها التي تدل على قوة ذكائها وصواب رأيها وكان في ذلك خير كبير للأمة… هذه أم سلمة التي عرفت أن لها دورًا في هذه الأمة، وأن من أساس هذا الدور أن تسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفهمه وتتعلم منه وتعمل به…. تساءلت أمُّ سلمة ذات يوم في نفسها عندما سمعت كثيرًا مما أنزل قرءانًا فيه ذكر الرجال دون النساء… فذهبت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقالت له: “يذكر الرجال ولا نذكر”…. “إن الله مع الصابرين”، “وكونوا مع الصادقين”، “إن الله يحب المتوكلين”…. فأنزل الله: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”…. إن انتباه أم سلمة وسؤالها للنبي صلى الله عليه وسلم، يدل على وعيها وحرصها على المشاركة في الخير الذي ذكر الرجال به… مع فهمها أنه يوجد فرق بل فروق بين الرجل والمرأة في كثير من الأمور وفي الأحكام في الدين… لكن، ما يشترك فيه الفريقان أكثر وأكبر، وتلك الفروق لا تمنع من أن يكون لكلٍّ من الجنسين سعي حثيث في اتباع دين الله تعالى ونصرة الدين…. لقد جمع الله بين الذكر والأنثى في الجزاء على العمل ولم يفرق بينهما حيث قال تعالى: “ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا”… بين الله تعالى أن الرجال لهم أجر ، والنساء كذلك، لا فرق بينهما في ذلك…. نعم، هناك أحكام تختلف بين الرجال والنساء، لكن هذا لا يدل على نقصِ ثواب المرأة، ولا ذمِّها، ولا تهميشها… وانظروا معي إلى بيان الله تعالى الواضح لهذا الأمر…. في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعض الرجال بعد أن تعلموا أن للذكر مثل حظ الأنثيين، في الميراث هناك مسائل يأخذ الذكر ضعف ما تأخذ الأنثى، فصاروا يرجون أن يضاعف لهم ثواب ما يعملون من العمل كذلك، أن ينالوا ضعف ثواب الأنثى، قالوا: “نرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء، كالميراث”…. وقالت النساء نرجو أن يكون وزرُنا أي ذنبنا إذا وقعنا في معصية على نصف وزر الرجال كالميراث… كما أننا في بعض المسائل نأخذ نصف ما يأخذون…. فأنزل الله تعالى “لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مما اكتسبوا وَلِلنّسَاء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شىء عليمًا”…. للرجال نصيب مما اكتسبوا، من الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية، وللنساء نصيب من ذلك مثلُ ذلك، وليس ذلك على حسب الميراث، “واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شىء عليمًا” من تأمل في أثر النساء في المجتمع الإسلامي وفي الدعوة إلى الله، رأى ما يستحق الوقوف عنده… إن تشجيع الإسلام على الاهتمام بأمر المرأة أثمر في بناء شخصيات عظيمة… وقد شاركت المسلمات في شؤون الحرب والسِلم… ومنهن من بلغت الصفوف الأولى في مواجهات تاريخية… وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم عُمارة: «ومن يطيق ما تطيقين»..لم تشارك فحسب، بل أظهرت شجاعة وبسالة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: “ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة”….. وقد شاركت المرأة في بيعة العقبة الكبرى، وبيعة الرضوان، وكل هذا يدل على اعتراف بدورها الفاعل في المجتمع… لم يحصر الدين دور المرأة بالتجمل لزوجها لترضيه وتربية أولادها … هي إذا عملت هذا بنية حسنة كان هذا حسنًا منها، لكن لا يقتصر دورها على هذا… لم يطالب الدين المرأة باعتزال الحياة الاجتماعية…. لم يمنعها من المشاركة الفاعلة في مجتمعها…. ليس الدين ضد “تقوية المرأة” و”تعليم المرأة” و”احترام المرأة” و”حفظ حقوق المرأة”، بل هو داعٍ إلى كل هذا…. وفي الشرع بيان ما الذي يكون به حقيقةً تقوية المرأة وحفظ حقوقها إلى غير ذلك… عرف النبي صلى الله عليه وسلم أهمية دور المرأة في المجتمع وتأثيره على أفراده، فاهتم بتعليمها وحث على صيانتها وبيَّن ما لها وما عليها… وأعداء الدين كذلك عرفوا أهمية دورها، فسعَوا في استغلالها وإفسادها وإبعادها عن الدين عبر إلقاء شبه واهية ومحاولة تشويه الحقائق، فكان لا بد من بيان الحق واهتمامِ الدين بأمر النساء… ومما يبين ذلك هذا أقوال النساء اللواتي رأين النبي صلى الله عليه وسلم وسمعن كلامه ورأين تعاطيَه مع النساء وفهمن ذلك، فترجمت مواقفهم وأفعالهم وأقوالهم هذا الفهم… أقوال سجَّلها التاريخ، يكون عليها كلامنا في هذا البرنامج إن شاء الله تعالى…. والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله.