fbpx

قالت – الحلقة: 7

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قالت انظر كم مثقال ذرة فيها ورد ذكر متاع الدنيا في القرءان الكريم في أكثر من موضع…. ووصف أكثر من مرة بأنه “قليل”… “قل متاع الدنيا قليل”، “متاع قليل”…. فما هو المتاع؟ المتاع هو ما يتمتع به في هذه الدنيا، كل ما كان ينتفع به الواحد في هذه الدنيا مما خلقه الله يقال له متاع الدنيا…. إذا كان متاع الدنيا قليلًا… إن كان متاع الدنيا قليلًا، فما وصفه الله بأنه عظيم ماذا يكون مقداره؟ قال تعالى: “وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً” ثواباً عظيماً… وما وصفه الله بالعظم فمن يعرف مقداره مع أنه سمى متاع الدنيا قليلًا… لذلك حرص الأذكياء ممن وفقهم الله على أن يقدموا لآخرتهم ولا يتمسكوا بهذا المتاع فيتركوا استعماله في طاعة الله، فإنه كما قال الله: “إلى حين”، ثم يأتي الأجل… والآخرة ينفع فيها الطاعة، طاعة الله، وهذه الطاعة قد تكون في أيسر الأشياء، فينبغي للمرء ألا يستقل شيئًا من الخير فيؤديَه ذلك إلى ترك فعله، فإنه لا يعلَم الحسنةَ التي يرحمه الله بها…. وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا فقال: «لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئا» لا تستقلَّه «ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلِق»… وانظر معي إلى ما عملته السيدة عائشة… فقد استطعمها مسكين وكان بين يديها عنب. فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها. فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت عائشة: “أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟” تشير إلى قول الله تعالى ووعده “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره”… وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بغي من بغايا بني إسرائيل، أي امرأة زانية من بني إسرائيل، أنها رأت كلبًا كاد يقتله العطش يدور حول بئر، فنزعت موقها، ما كانت تلبسه في قدمها، فاستقت له به فسقته، قال صلى الله عليه وسلم “فغفر لها به”…. كانت زانية، وغفر لها بسقيها الكلب… هذه الحسنات التي يجمعها الإنسان في يومه… وغالبًا ينسى الكثير منها… يجدها حاضرة يوم القيامة… “يوم يتذكر الإنسان ما سعى“… اليوم الذي صوَّر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حال الواحد فيه فقال: “ينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم” ينظر إلى اليمين وإلى الشمال فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، الإنسان من شأنه إذا فاجأه أمر أن يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث، فحال الواحد يكون مثل هذا الإنسان الذي يتلفت، قال عليه الصلاة والسلام: “وينظر بين يديه” أي أمامه “فلا يرى إلا النار تِلقاء وجهه” إذ لا بد له من المرور على الصراط، والصراط تحته النار … قال صلى الله عليه وسلم: “فاتقوا النار” افعلوا ما يجنبكم هذه النار، ما ينجيكم من هذه النار “ولو بشق تمرة“، ولو بجزء من تمرة، فإن من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره… “فإن لم يجد”، ضاقت به الحال إلى حد أنه لا يجد جزءًا من تمرة يتصدق به، قال صلى الله عليه وسلم “فإن لم يجد فبكلمة طيبة“…. مهما اشتد بك الضيق، أنت لا تزال قادرًا على تحصيل الخيرات واكتساب الحسنات….. كل مسلم قادر على أن يكتسب الحسنات في أوقاته… كل مسلم قادر على أن يحصل خيرًا… بماله، بيده، بلسانه، بقلبه… نعم، الله لم يجعل كل الناس على نفس القدر من الذكاء أو قوة البدن أو الفصاحة في الكلام، الله قسم بين الناس، لكن كل مسلم، مهما كان حاله، قادر أن يكتسب الحسنات ويملأ يومه بما يضاعف له الثواب عند الله، ويدخله الجنة…. وقد سأل أبو ذر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عمل اذا عمله العبد يدخل الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تؤمن بالله»، والإيمان بالله هو الأصل الذي لا بد منه لدخول الجنة، وهو شرط لقبول الأعمال الصالحة، لأن من لم يكن مؤمنًا لا يقبل عمله، لا يكون له ثواب عليه في الآخرة، مهما عمل في الدنيا من الصدقة وإعانة المحتاج، إن لم يكن عنده إيمان بالله تعالى هذا لا ينفعه في الآخرة، قال الله تعالى: “ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا“… فأول ما قاله صلى الله عليه وسلم في جواب أبي ذر رضي الله عنه: “تؤمن بالله“…. قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، “إن مع الإيمان عملًا“، يعني يسأل عما يفعله زيادة على الإيمان من العمل حتى يكون ثوابه أكبر… قال: «يرضخ مما رزقه الله» يتصدق ولو بشىء قليل “قلت: يا رسول الله، فإن كان معدَمًا” فقيرًا “لا شيء له؟” ليس عنده ما يتصدق به قال: «يقول معروفا بلسانه» يقول كلمة طيبة، قلت: “فإن كان عَيِيًّا لا يبلغ عنه لسانه؟” أي إذا كان ثقيل اللسان لا يحسن الكلام والتعبير، قال: «فليُعِنْ مغلوبًا»، أي يساعد بقوَّته الضعيف المغلوب، قلت: “فإن كان ضعيفا لا قوة له“؟ قال: «فليَصْنَعْ لأَخرق»، والأخرق هو الذي لا يُحسن العمل، لا صنعة له، فتصنع أنت له، قال “قلت: فإن كان أخرق؟ فالتفت إلي فقال: «ما تريد أن تدع في صاحبك خيرا؟» قال: «يدع الناس من أذاه»، يكف أذاه عن الناس، قال: قلت: “يا رسول الله، إن هذا لَيَسِيْرٌ كلُّه“… أبو ذر يسأل عن أمر عظيم، عن العمل الذي يدخل به الواحد الجنة، وينال به الثواب في الآخرة، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمور التي يقدر كل واحد عليها أو على بعضها وإن عجز عن البعض الآخر… فقال أبو ذر: “إن هذا ليسير”… قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده” أقسم صلى الله عليه وسلم، “ما مِنْ عبدٍ يعملُ بخصلةٍ منها يُريد بها ما عندَ الله” عمل مخلصًا يريد الثواب من الله تعالى، ليس مراده أن يمدحه الناس، لا يفعل هذا العمل حتى يقول الناس فلان يتصدق، فلان يساعد الناس، إنما كان عمله خالصًا لله تعالى، “إلا أَخذت بيده يومَ القيامة حتى يدخل الجنَّة» أي كانت من أسباب دخوله الجنة… وقتك ثمين… ومطلوبك كبير، وكرم الله عظيم، فلا تقصر.