fbpx

قالت – الحلقة: 8

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنّة كلامنا اليوم على امرأة هي كذلك من أفضل نساء العالمين، ءامنت وثبتت وصبرت، وفي لكن لم تجد الثناء والوفاء في الدنيا ممن كان زوجها… بل كان من أمر بقتلها… ءاسية بنت مزاحم رضي الله عنها… كانت زوجة فرعون… في ذلك الزمن كان يجوز أن تكون المؤمنة زوجة كافرٍ… هذه المؤمنة التي كانت من أفضل نساء العالمين، كان زوجها من أكفر خلق الله تعالى… لما علِمَ فِرعَون الخبيثُ الذي كانَ يقولُ للنّاس أنَا ربُّكمُ الأعلَى أنّها تَعبُد اللهَ ولا تَعبدُه صارَ يُعذِّبُها… وضَع لها أربعَةَ أَوتادٍ في الأرض…. “وفرعونَ ذي الأوتاد”…. وضع لها أربعة أوتاد في الأرض، ثم ربَطَ إحدَى يدَيها بوَتِد واليدَ الأخرى بوتِد ورجلَيها كذلك في الشّمس الحَارّة… في تلك اللحظات وهي ملقاة على الأرض… دعت ربها الذي ءامنت به وثبتت على الإيمان به رغم تهديدات فرعون… الذي تركت قصور فرعون وخدمه وحشمه طمعًا في جنته، فإن جنته باقية دائمة، أما مِلكُ فرعون فزائل فانٍ…. قالت: “رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة”.. طلبت من الله أن يعطيها في بيتًا في المكان الذي شرفه تعالى، الجنة، وهذا معنى قولها عندك…معناه في المكانِ الذي شرّفتَه، الجنّة مشرّفةٌ عندَ الله… أي في المكان المشرَّف عندك، ولا يعني كلامها أن الله في مكان هو الجنة أو أنه فوق العرش أو في جهة فوق، فإنها كانت مؤمنة عالمة أن الذي خلقها ليس حجمًا ولا في جهة، وليس في مكان… هو أخبر أنه: ليس كمثله شىء… لو كان في مكان، في جهة، جهة فوق أو تحت، لكان له أمثال من المخلوقات.. بل هو تعالى موجود من غير أن يكون وجوده كوجودنا…. قالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة… فأكرمها ربنا تبارك وتعالى، وأراها بَيتَها الذي أعدَّه الله تَعالى لها في الجنّة، وهيَ في الأرض رأت بَيتَها في الجنّة فارتَاحت وازدادت اطمئنانًا ويقينًا على يقينها…. تخيلوا السكينة التي نزلت على قلبها في تلك الساعة… عندما رأت عيانًا شيئًا مما أعد الله لها… ماذا يكون عذاب فرعون وأوتاده وجنوده وظلمه وجبروته أمام هذا… أي سرور ملأ قلبها؟ وما ذاك الأمان الذي شعرت به…. الله أكبر… أي سرور يكون المؤمنون فيه عندما يرون في الآخرة الجنة، عندما يرون تلك الأبواب الثمانية… مفتوحة…. وتلك القصور، وتلك الأنهار، وتلك الأشجار، وتلك السُّرُر، وتلك الطيور وتلك الفاكهة…. عندما يعاينون ما وعد الله المؤمنين، ما سمعوا عنه في الدنيا… ما قرأوه وتلوه ما ذكر في القرءان، فصدقوا به وآمنوا واجتهدوا وجدّوا في العمل لتحصيله…. مع أنهم لم يروه حينها…. لكن، كان في قلبهم يقين ليس فيه شك أن وعد الله حق… صدقوا به وتحققوا أنه موجود، كأنهم يرونه… لكن في ذلك اليوم، يرونه حقًّا…. يسمعون: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا…. في الدنيا كانوا يروون الحديث ويقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا… ذاك اليوم يسمعون ذلك المنادي، وهو يقول هذا الكلام، ويخاطبهم هم به، يقول لهم: إن لكم أن تصحوا وتنعموا…. ما حصل مع السيدة ءاسية لا يحصل مع كل مؤمن… ما حصل مع ماشطة بنت فرعون من أن يقول لها رضيعها اثبتي أنت على الحق، هذا لا يحصل مع كل مؤمن مبتلى… ومع ذلك، فيقين المؤمن وتصديقه الجازم يكفيه…. اللهُ تَبارك وتَعالى وصف المؤمنينَ بأنهم: “يؤمنون بالغَيب” أي بأمرٍ لم يُحِسُّوا به، لم يُعَايِنُوه، هذه الجنَّةُ ما عَايَنّاها بَعدُ لكن نؤمنُ بها وكذلكَ جَهنّم، هذَا يُقالُ لهُ إيمانٌ بالغَيب..”يؤمنون بالغيب” أي يؤمنون بما لا يرون مما وعد الله وتوعد به، مثل الجنة والنار…. الغيب ما لم نره مما أخبر الله به في القرآن أو أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم…. يؤمنون بالغيب أي يصدقون به تصديقًا جازمًا ليس فيه أي شك… ومن كان يؤمن بالجنة والنار، ويصدق بوجودهما تصديقًا جازمًا ليس فيه شك ولا ريب، ويوقن أنهما دارا الجزاء… وهو يرجو الجنة ويخاف النار…. ويدرك أن كل كل واحد من الناس سيكون في الجنة أو في النار… هما داران ما للناس غيرهما… ألا يعمل ليكون من أهل الجنة… ألا يستعد… ألا يكفيه إيمانه هذا ليحركه للعمل…. فلو لم يجد من ينصره ويدافع عنه، لو كان هناك من يعارضه، لا يتأثر، فإيمانه أقوى من كل هذا… لو وجد نفسه وحيدًا في أوقات، هذا لا يؤثر فيه، فإنه يعلم أنه ليس كل الناس وفقوا لفعل ما هو الأصلح لهم… من الناس من هداه الله، ومن الناس من أضله الله… من الناس من شاء الله له أن يختار الهدى، ومن الناس من شاء الله له أن يختار الضلال… من الناس من وفقهم الله لفعل الحسنات، ومن الناس من شاء الله لهم أن يغرقوا في المعاصي…. قال الله تعالى: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها… كل هذا بمشيئة الله تعالى… فاحمد الله إن كنت ممن أنعم الله عليك بأن عرفت قدر الآخرة، واعمل لذلك اليوم، مشى معك من مشى وتركك من ترك… دعمك من دعمك وخذلك من خذلك… لا تنغر أن من معك قليل…. هكذا قال الفضيل بن عياض: اتبع طرق الهدى، ولا يغرنك كثرة الهالكين ولا قلة السالكين… اللهم اجعلنا ممن يعدون لآخرتهم.. .ءامين اللهم ءامين