fbpx

قالت – الحلقة: 9

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قالت إني أتكشف في حصار المشركين للمسلمين في مكة، في شِعب أبي طالب، ولد ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن عباس… مع أنه كان صغير السن عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن حظه في رواية الأحاديث وتفسير القرءان كان كبيرًا… وقد اهتم به النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له وقال: “اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب”… فعرف رضي الله عنه من إتقانه لتفسير القرءان بأنه ترجمان القرءان… فمما فسره من القرءان قوله تعالى الله نور السموات والأرض، قال رضي الله عنه في تفسيره معناه هادي أهل السموات وهم الملائكة والمؤمنين من أهل الأرض لنور الإيمان، وليس معناه أنه تعالى ضوء، لأن الضوء مخلوق…. فالنور هنا معناه الهادي… ألا تقول داعيًا لشخص: نور الله قلبك؟ وليس معنى هذا أنك تدعو له أن يصير فيه ضوء، إنما تدعو له بالهداية…. مما رواه ابن عباس من الأحاديث ما أخبر به عطاء بن أبي رباح… هذا كان إمام التابعين في المدينة، قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ امرأة أعلمُ أنها من أهل الجنة، قال: قلت بلى، قال: هذه المرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: “إني أُصْرَع وإني أتكشَّف”… يصيبها صرع، وبسبب هذه الحالة تتكشف، بلا إرادتها ينكشف شىء من عورتها….قالت: “إني أصرع وإني أتكشف فادعُ الله لي”، قال صلى الله عليه وسلم: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» خَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَن تصبر وَلها الْجنَّة، وَبَين أَن يَدْعُو الله تَعَالَى، فَاخْتَارَتْ الصَّبْر، قالت: أصبر… ثم قالت: “إني أتكشف… فادعُ الله لي أن لا أتكشف”، فدعا لها صلى الله عليه وسلم. خشيت رضي الله عنها أن يظهر شىء من عورتها… في أي حال؟ في حال صرعها… خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر..مع أنها تكون في حالة الصرع، ومن غير إرادة تتكشف…لكن ما هان عليها أن تنكشف عند نزول هذا البلاء بها، هذا البلاء الشديد الذي اختارت الصبر عليه… لكن فقط طلبت هذا، الدعاء لها أن لا تتكشف… هذا يدل على كم هذا الأمر مهم بالنسبة لها، فهو أول ما خطر لها حين استحضرت أنها تصبر على هذا المرض لله تعالى ويبقى يصيبها تلك الحالات من الصرع…. لأهمية الستر عندها كان ما طلبته الدعاء أن لا تتكشف… يختلف الناس في أول ما يخطر ببالهم عند حصول أمر… بعض الناس إذا رأى حريقًا، أول ما يخطر له كيف أهرب منه وكيف أحفظ نفسي من أن أتأذى، وبعض الناس أول ما يخطر له: كيف أساعد؟ هل هناك من تأذى ويحتاج للعون؟ …. بعض الناس إذا صارت ضائقة في البلد وصار الناس في حاجة شديدة، أول ما يخطر ببالهم التفكير في كيف يخففون ويعينون الفقراء… وبعض الناس أول ما يخطر ببالهم التفكير في كيف يستغلون حاجة الناس لزيادة ربح تجارتهم… ما شغل بال هذا غير ما شغل بال ذاك…. من النساء من إذا تقدم رجل لخطبتها أول ما يخطر ببالها السؤال عن عمله أو شكله أو ماله، وبعض النساء أول ما يخطر ببالها السؤال عن دينه… هذه ليست كتلك.. وهذا ، اول ما يخطر ببالنا… غالبًا… يدل على ما يهتم له الشخص أكثر من غيره…. ما يعني له أكثر من غيره… ما قلبه متوجه له اكثر من غيره، ومتعلق به أكثر من غيره… وهذا يكون له أثر كبير على قراراتنا… ماذا نفعل وماذا نترك… إلام نصرف جهدنا وفيم نصرف أوقاتنا.. مما له أثر كبير على حالتنا في الآخرة… وانظر معي إلى صفاء قلب سيدنا عبد الله بن مسعود… قلب تعلق بحب الله والسعي للآخرة إلى حد عجيب… قال: “ما كنتُ أظُنّ أن أحدًا مِنّا”، أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما كنتُ أظُنّ أن أحدًا مِنّا يُريدُ المالَ حتّى نزَل قولُ الله تعالى يومَ أحد: {مِنكُم مَن يُريدُ الدُّنيا ومنكُم مَن يُريدُ الآخِرَة} قال لما نزلَت هذه الآيةُ عَرفتُ أنّ فينا مَن يُريدُ المال أمّا قبلَ ذلكَ أنا لم أفكّرْ أنّ فِينا مَن يُريدُ المال، أي أنّه كان يَظُنُّ أن كُلًّا مُقبِلُون على الآخِرة…هذا ما يريدونه، أما المال فيكاد لا يخطر ببالهم… تلك قلوبُ من رضي الله عنهم ورضوا عنه… تلك قلوب من أكرمهم الله بصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ونصروه ونصروا دعوته… ومن صحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة… التي قالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف… وانظروا إلى حال سيدة نساء هذه الأمة، فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم… شغل بالها ما يظهر مما يصف حجمها بعد موتها وهي في طريقها إلى القبر…. فكلمت أسماء بنت عميس بذلك فقالت: “يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها”… حينها ما كانت توضع المرأة في النعش… فكانت إذا حملت إلى قبرها على خشبة يظهر حجمها، فأهمها ذلك…. فأخبرتها أسماء عن شىء كان رأت بعض الناس يعملونه مما يستر المرأة ففرحت… فقالت فاطمة رضي الله عنها: “ما أحسن هذا وأجمله”… وطلبت أن يعمل لها مثله إذا ماتت، فكانت أول امرأة عمل لها النعش في الإسلام… أختي الكريمة… افعلي في حال صحوك ما رَجَتْ أن تكون عليه تلك المرأة التي هي من أهل الجنة حال صَرَعها… البسي حجابك وقربيه…استري عنقك… لا تقصري سروالك… ولا ترفعي كمَّك…. تشبهي بفاطمة الزهراء… لا تلبسي الضيق… لا تخرجي إلى الناس بما يظهر الحجم… نعم، قد يحتاج هذا إلى كسر نفس، لكن مطلوبك كبير جدًا، يصغر أمامه مثلُ هذا… فما أجملَ أن يشبه حالُنا حالَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فإن كنَّا لم ندرك زمنهم فقد بلغتنا أخبارهم…. وبوسعنا أن نعمل ما عملوا… والله الموفق