الشيخ رمزي شاتيلا
تفسير سورة الانفطار
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلَّى الله على سيدِنا محمَّد وعلى آلهِ وصَحبِهِ الطيّبين الطاهرين، سنتكلم في تفسير سورة الانفطار.
أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَت} أي انشقت، فالسَّماء تنشقُّ يوم القيامة {وإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} أي تساقطت {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجّرَتْ} أي من امتلائها فتتفجرُ وتصيرُ بحرًا واحدًا {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} أي قُلِب تُرابها وبُعِثت موْتاها {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} أي علِمت كلُّ نفسٍ يوم القيامة ما قدَّمت من الأعمال وما أخَّرت منها فلم تعمَله. ثمَّ قال الله عزَّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الْكَرِيمِ} الخطابُ هنا في هذه الآيةِ يا أيُّها الإنسانُ الخطابُ للكُفّار، الخطابُ للكافِر الذي يُنكِرُ البعث ومعنى قولِ اللهِ عزَّ وجلّ ما غرَّكَ بربّك الكريم أي أيُّ شئٍ خدَعك حتى ضَيَّعت ما أوجبَ الله عزَّ وجلّ عليك من الإيمانِ به سُبحانهُ وتعالى وتوحيدهِ وعدمِ الإشراكِ به. فإنَّ الكافرَ قد ضيَّع ما أوجبَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليه من الإيمان بالله والإيمانِ بالبعثِ مع أنَّ الله عزَّ وجلَّ أنْعمَ عليه بنِعَمٍ كثيرة خلقه وسوّاهُ وعدَلهُ وأعطاهُ ما لا يُحصيهِ من النّعم.
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} أي خلقك بعد أن لم تكن شيئًا، وسوَّاك إنسانًا تُبصِر وتسمعُ وتمشي على رجلين جعلك مستويَ الخلق فعدلك صيَّرك معتدلًا متناسب الخلقة غير مُتفاوتٍ جعلك مُعتدلَ الخلقِ تمشي قائمًا لا كالبهائم ومع ذلك ترى هذا الكافِرَ يكفرُ بالله ويَجْحدُ نعمةَ الله ولا يُصدقُ بالبَعْثِ. نسأل الله السلامة. {فِي أَيّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} معناه الله عزَّ وجلَّ وضعَك في صورةٍ شاءها سبحانه و تعالى، خلقك على ما شاء سبحانه وتعالى، ركبك على ما شاء سبحانه وتعالى من حُسنٍ وطولٍ وذكورةٍ وأنوثةٍ وشَبَهٍ ببعضِ الأقارِبِ فالله عزَّ وجلّ هو الخالقُ البارئُ المصورُ سبحانه وتعالى. وربُّنا عزَّ وجلّ مُنزَّه عن الكيفية منزهٌ عن الصّورةِ ليس كمثله شئ، مهما تصورت ببالك فالله لا يشبه ذلك، أما نحن فجعلَنا الله على صفاتٍ متُعددة متنوعة لنا لون، لنا طول، لنا عرض، نتحرك ونسكُن هذه كيفيات صِفات الإنسان صفات المخلوقات أما الله عزَّ وجلّ فإنه ليس كمثله شئ لا يشبه شيئًا من خلقه. ثم قال الله عزَّ و جلَّ: { كَلَّا بَلْ تُكَذّبُونَ بِالدّينِ} “كلا” ردعٌ و جزرٌ، بل تكذبون بالدين، الدّين أي الجزاء أي تكذبون بيوم القيامة تكذبون بيوم الحساب تزعمون يا أيها الكفار أنه غير كائنٍ. ثم أعلمَهم الله عزَّ وجلَّ بأنَّ أعمالهم محفوظة فقال سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين} أي من الملائكة يحفظون أعمالكم، يحفظون عليكم أعمالكم يكتبونها {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}. نسأل الله السلامة. انظر بما وصف الله عزَّ و جلَّ هؤلاء الملائكة قال سُبحانه وتعالى {كِرَامًا كَاتِبِينَ} هم كرام، هم كرام على ربهم وفي تعظيم الكتبة بالثَّناء عليهم في تعظيم الملائكة هؤلاء بالثناء عليهم حيث قال الله فيهم “كراما” في تعظيمهم، تعظيمٌ لأمر الجزاء. كاتبين أي يكتبون أعمالكم {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} يعلمون ما يفعل الإنسان من خيرٍ أو شر. ثم قال الله عزَّ وجلّ: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} الله يجعلنا جميعًا منهم. الأبرار أي المؤمنونَ الصادقون. الأبرارُ هم المؤمنون الصادقون هم في نعيم {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} أي الكفار مأواهُم جهنَّم مأواهُم النَّار المحرقة نعوذُ بالله منها {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدّينِ} يصلونها معناه يدخلون الجحيم مُقاسين حرَّها ويومُ الدّين هو يوم الحساب كما قلنا {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} أي لا يخرجون من النَّار. و ما هم عنها بغائبين هذا يدُل على تخليدِ الكفار في النَّار كما قال الله عزَّ وجلَّ وما هم بخارجين منها. ثم عظم الله شأن القيامة فقال سبحانه وتعالى: {و مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدّينِ} وما أدراك أي ما أعلمك والمراد تعظيم شأن القيامة ما يوم الدّين أي ما يوم الجزاء. {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدّينِ} وهذا تعظيم لشأن يوم القيامة فكرَّر للتأكيد والتهويل. {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} أي يوم لا يملكُ مخلوقٌ لمخلوقٍ نفعًا إلا الشَّفاعة، إلا الشَّفاعةَ بإذنِ الله سبحانه وتعالى فلا تملِك نفسٌ كافرةٌ منفعةً لنفسٍ كافرةٍ، لا تملِك نفسٌ كافرةٌ لنفس ٍكافرةٍ شيئًا من المنفعةِ والأمرُ يومئذٍ لله سبحانه وتعالى كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} أي لا يدَّعي أحدٌ مُنازَعتَه والأمر يومئذٍ لله أي لا أمر إلا لله تعالى وحده فهو القاضي فيه دون غيره نسأل الله عزَّ وجلَّ السلامةَ وأن يُحسن ختامنا جميعًا و الله أعلم وأحكم.