الشيخ رمزي شاتيلا
تفسير سورة المطفّفين
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلَّى الله على سيدِنا محمَّد وعلى آلهِ وصَحبِهِ الطيّبين الطاهرين، سورة المطففين
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ} الويلُ هو العذابُ الشديد والمطففون هم اللذين ينقصون حقوق النَّاس في الوزنِ والكيلِ فهؤلاء توعَّدهم الله عزَّ وجلَّ بالعذابِ الشديد فقال: “وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ” ثم وصفهم الله عزَّ وجلَّ بقوله: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون} أي إذا اكتالوا هم من الناس، كانو يريدون أي يكتالوا لأنفسهم يستوفون حقوقهم أي يأخذون حقوقهم وافية {وإذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} أي إذا كالوا للناس أو وزنوا للناس ينقُصون في الكيل والوزن. ثم قال الله عزَّ وجلَّ: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} ألا يعلم هؤلاء الذين ينقُصون حقوق الناس في الوزن والكيل، ألا يعلم هؤلاء المطففون أنهم مبعوثون، أنهم سيُبعثون ويحاسبون يوم القيام؟ {لِيَوْمٍ عَظِيم} أي هو يومُ القيامةِ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ} أي يوم يقوم النّاس من قبورهم للحِساب والجزاء، نسأل الله السلامة. ثمَّ قال الله عزَّ وجلّ: {كلَّا إنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجّينٍ} “كلّا” كلمةُ ردع وزجرٍ لهم عمَّا هم عليه من التطفيف. ثم قال الله عز وجل: {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ} أي كتابُ أعمالِ الكُفَّار لَفِي سِجّين، وسجين مكانٌ أسفلَ الأرضِ السابعة {ومَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ} وهذا فيه تخويفٌ من هذا المكان {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} أي كتابُ أعمالِ الكُفَّار كتابٌ مرقوم أي مُثبتٌ فيه أعمالهُم، فالمعنى {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجّينٍ} وإنَّ كتاب الفجار {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} مكتوب فيه أعمالهم مثبتة عليهم نسأل الله السلامة. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذّبِينَ} الويلُ هو العذاب الشديد فعذابٌ شديدٌ يكون يوم القيامة للمُكذبين {الَّذِينَ يُكَذّبُونَ بِيَوْمِ الدّينِ} أي بيوم الجزاء {وَمَا يُكَذّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} المعتدي هو الذي يتجاوز الحدَّ، والأثيم هو كثيرُ الإثم {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} إذا تُليت عليه آيات القرآن، يقول هذا المكذب والعياذ بالله هذة أساطير الأولين. الأساطير، يريد بذلك الأباطيل يعني يقول عن القرآن والعياذ بالله إنه أباطيل الأولين.
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون} “كلا” ردعٌ وزجرٌ لقولهم ذلك، ومعنى رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ أي غَلَبَ وغَطَّى على قلوبهم ما كانو يكسبون من المعاصي أي غَشِيَها، أي ثَبَتَت على قلوبهم الخطايا حتى غمرتها والغياذُ بالله. {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} محجبون أي ممنوعون. الحجبُ هو المنع معناه هم أي الكفار ممنوعون من رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة. فلا يراه الكفار وأما المؤمنون فإنهم يرونه رزقنا الله تعالى ذلك. فهذه الآية دليل على أن المؤمنين يرون الله عز وجل في الآخرة يرونه بلا كيف ولا مكان ولا جهة هم يكونون في الجنة أما الله سبحانه وتعالى فإنه موجود بلا مكان {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيمِ} أي لداخلوا النار المحرقة {ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} يقال لهم يوم القيامة هذا العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا {كلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ} كتاب الأبرار أي الكتاب الذي فيه أعمال المؤمنين لفي عليين، وعليون هو مكان في السماء السابعة تحت العرش. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيُّونَ} وهذا الاسْتِفهام في قوله تعالى وَمَا أَدْرَاكَ هو على جهة التفخيم والتعظيم لهذا المكان {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} أي إنَّ كتاب الأبرار كتاب مرقوم هو في عليين وهو كتاب مرقوم أُثبتت فيه أعمال هؤلاء المؤمنين. ثم قال الله عزَّ وجلّ {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} أي يشهدُ هذا الكتاب يحضُرُه الملائكة وهم المقربون {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} الأبرارُ في نعيم أي في الجنة {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} أي على الأسرّة ينظرون إلى ما أعطاهم الله عزَّ وجلَّ من النَّعيم في الجنة ثم وصفهم الله عزَّ وجلّ بقوله {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} يعني إذا رأيتهم إذا نظرت إليهم تعرف في وجوههم أنهم من أهل النعيم لما ترى في وجوههم من الحُسنِ والنُّور والجمال. ثم قال الله عزَّ وجلّ {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} يُسقون، يُسقون من رحيق أي من خمرٍ خالصةٍ من الدَنَس. مختوم، أي مختوم على إنائه {خِتَامُهُ مِسْكٌ} أي آخر شربة تفوح منه رائحة المسك {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} أي فليجدوا في طلبه وليحرصوا عليه بطاعة الله سبحانه وتعالى {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} أي ما يُمزج به من تسنيم ما يُمزج به هذا الشراب من تسنيم. ثم فسر الله ذلك بقوله تعالى يعني ما هو التسنيم {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} هي عينٌ في الجنة يشرب بها أي يشرب منها المقربون رزقنا الله تعالى ذلك جميعًا. ثم قال الله عزَّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} أي كانوا يضحكون استهزاء بهم كان يضحك الكافرون من المؤمنين على وجه الاستهزاء {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} أي كانوا إذا مروا بهم يتغامزون أي يشير المجرمون إلى المؤمنين بالجفن والحاجب استهزاءً بهم {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} أي إذا رجع الكفار إلى أهلهم، رجعوا يتكلمون مستهزئين بهؤلاء المؤمنين، متلذيذين بالاستهزاء بهم والعياذ بالله {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} أي إذا رأى الكفار المؤمنين قال الكفار في حقّ المؤمنين إن هؤلاء لضالون {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} معناه الله عزَّ وجلّ لم يرسلهم عليهم ليحفظوا أعمالهم بل أمرهم الله بأن يُصلحوا مِن أمرهم وأن يُصلحوا شأنهم وأن يُؤمنوا وأن يتبعوا محمدًا صلى الله عليه وسلَّم، فبدل، أن يؤمنوا صاروا يقولون في حقّ المؤمنين إنهم لضالّون يقولون عن من آمن بالله ورسوله واتبع ما أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولون فيه إنه ضال والعياذ بالله {فالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} فاليوم أي يومَ القيامةِ الذين آمنوا من الكفار يضحكون إذا رأوهم يعذبون {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} أي المؤمنون يكونون على الأرائك، على الأسِرّة ينظرون إلى الكفار وينظرون إلى ما هم فيه من الهوانِ والعذابِ بعد ما كانوا عليه من العِزةِ والنَّعيم في الدنيا. نسأل الله السلامة. ثم قال الله عزَّ وجلَّ {هَلْ ثُوّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} أي هل جوزوا على استهزائهم بالمؤمنين في الدنيا. وهذا الاستفهام بمعنى التقرير. فالمعنى أنهم جوزوا على ما كانوا يفعلون. نسأل الله عزَّ وجلَّ السلامة والله أعلم وأحكم.