fbpx

الصراط المستقيم – الدرس 8

شارك هذا الدرس مع أحبائك

-قال المؤلف : وقد روى البخاري أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال " إذا كان أحدُكم في صلاته يُناجي ربَّه فلا يَبْصُقَنَّ في قِبلته ولا عن يمينه فإنَّ ربَّه بينه وبين قِبلته " : " فإنَّ ربَّه بينه وبين قِبلته " يعني فإنَّ رحمة ربِّهِ، الرحمةَ الخاصة التي تَنْزِل على المصلّي بينه وبين قِبلته. طيب، هذا الحديثُ أقوى من حديث الجارية، إذا أخذنا بظاهره هذا الحديثُ، المشبه الذي يقول " لا بد أنْ نأخذَ بالظاهر " على حسب قوله إذا أخذ بظاهره معناه إنَّ الله منحصِرٌ بينه وبين القِبلة. هو لا يأخُذُ بظاهره بل يقول "هذا ليس معناه هكذا بل له معنىً ءاخر" إذن يؤوَّلُه يُخْرِجُهُ عن الظاهر. لماذا لا يُؤوِّلُ حديثَ الجارية إذن ؟ وهذا الحديثُ أقوى إسنادًا من حديث الجارية. كما أنه هو يؤوِّلُ هذا الحديث، بعضُ العلماء أوَّلَ حديثَ الجارية وقال معناه إنَّ الله أعلى من كلِّ شىء قَدْرًا. -قال المؤلف : وهذا الحديثُ أقوى إسنادًا من حديث الجارية. -قال المؤلف : وأخرج البخاري أيضًا عن أبي موسى الأشعريّ أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال " اربَعُوا على أنفسكم " هَوِّنوا على أنفسكم، لا تُجْهِدوا أنفسَكم، كان الصحابة يرفعون أصواتَهم بالدعاء، فقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام " إربعوا على أنفسكم " لا تُجْهِدوا أنفسَكم بشدة رفع الصوت. -قال المؤلف : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : فإنكم لا تَدْعُون أصمَّ ولا غائبًا " : الأصمّ هو الذي لا يسمَع. -قال المؤلف : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنكم تدعون سمعيًا قريبًا، والذي تدعونَه أقربُ إلى أحدكم من عُنُقِ راحلةِ أحدِكم " " هذا الحديثُ أيضًا أقوى من حديث الجارية. المشبه إذا قال " نتمسَّكُ بالظاهر، لا نؤوِّل " كأنه يقول إنَّ الله منحَصِرٌ بين الإنسان الذي يركَبُ الدابة وعنقِ الدابة وهو لا يقولُ بهذا، هو يزعُمُ أنَّ الله قاعد فوق. لكنْ هو يقول " لا نؤوِّل " إذا لم نؤوِّل هذا الحديثُ يكونُ هكذا معناه، فيكونُ بعكس حديثِ الجارية. أمَّا إذا قال "نؤوِّل" يقال له " وكذلك نؤوِّلُ حديثَ الجارية لأجلِ الأدلةِ التي تدلُّ على ذلك. نحن لا نشتغِل بالهوى، حيث نريد، حيث يدُلُّنا الهوى يَقُودُنا الهوى نؤوِّل، حيث يقودُنا الهوى إلى ترك التأويل لا نأوِّل، لا. نحن أهلَ السّنة نلتَزِمُ بالقواعد التي دلَّ عليها الشرع، حيث كان هناك دليلٌ يدلُّ على التأويل أوَّلْنا، وحيث لم يكنْ هناك دليل يدلُّ على التأويل لا نؤوِّل. أمَّا هؤلاء المشبهة متحكِّمون بالهوى، يقولون " التأويلُ باطل، التأويلُ ضلال، التأويلُ كذا " ثم عندما يريدون يأوِّلون. كيف هذا ؟!!! -قال المؤلف : ويقال للمعترِض : إذا أخذتَ حديثَ الجارية على ظاهره وهذين الحديثين على ظاهرهما لَبَطَلَ زعمُكَ أنَّ الله في السماء : لأنَّ حديثَ الجارية إذا أردتَ أنْ تستدِلَّ به على أنَّ الله موجود في السماء هذان الحديثان يَدُلان على خلاف ذلك. إذا قلتَ " آخُذُ بالظاهر " صارت هذه الأحاديث بينها تعارُض وهذه الأحاديث أقوى من حديث الجارية. أمَّا إذا قلتَ " لا آخُذُ بالظاهر، أؤوِّل " كما أوَّلْتَ هنا يؤوَّلُ حديثُ الجارية. لماذا تمنعُ من ذلك ؟ هكذا يقال له. -قال المؤلف : وإنْ أوَّلْتَ هذين الحديثين ولم تؤوِّل حديثَ الجارية فهذا تحكمٌ أي قولٌ بلا دليل : هكذا، هذا جَرْيٌ خلف الهوى، وقت تريد تقول " نؤوِّل " وقت تريد تقول " لا أؤوِّل " من غير قاعدة. ما هذا ؟!! قال المؤلف : ويصدُقُ عليكَ قولُ الله في اليهود { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفُرون ببعض } : أي تكونُ شبيهًا باليهود الذين قال الله فيهم هذا، تأخذوا بالبعض وتتركوا البعض، تأوِّلوا البعض ولا تؤوِّلوا البعض، على حسب الهوى. -قال المؤلف : وكذلك ما تقولُ في قوله تعالى { فأينما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجهُ الله } : وهذه ءاية من القرءان، ماذا تقولُ فيها ؟ { فأينما تُولُّوا فَثَمَّ وجهُ الله } إذا قلتَ { فأينما تُولُّوا فَثَمَّ وجهُ الله } على ظاهرها لأنك أنتَ تقول " نأخُذُ بالظاهر، لا نؤوِّل " معنى كلامِكَ أنكَ تزعُمُ أنَّ الله تبارك وتعالى موجودٌ في كلِّ الجهات، إلى أيّ جهةٍ اتجهتَ فاللهُ هناك وأنتَ لا تقولُ هذا. فهل تؤوِّل هذه الآية أو لا تؤوّلُها ؟ تؤوِّلُها، إذن لـِمَ تمنع تأويلَ حديثِ الجارية ؟!!! -قال المؤلف : فإنْ أوَّلْتَهُ فَلِمَ لا تؤوِّل حديثَ الجارية ؟ وقد جاء في تفسير هذه الآية عن مجاهد تلميذ ابنِ عباس " قِبْلَةُ الله " : يعني أنَّ مُجاهِدًا أوَّلَ هذه الآية الذي هو تلميذُ ابنِ عباس أوَّلَها، فكيف تمنعُ التأويلَ على الإطلاق ؟!!! معنى { فَثَمَّ وجهُ الله } أي هناك قِبْلَةُ الله. إذا كنتَ مسافرًا راكِبًا على الدابة كيفما اتجهَتْ بكَ راحِلتُكَ هذه قِبْلتُكَ في الصلاة. { فَثَمَّ وجهُ الله } قِبْلَةُ الله، هذه قِبلتُكَ في الصلاة لتصليَ النافلة. - قال المؤلف : فَفَسَّرَ الوجهَ بالقِبلة، أي لصلاةِ النفل في السفر على الراحلة : إذا أردتَ أنْ تصلِّيَ النفل وأنتَ راكبٌ على الدابة، إلى أيّة جهة اتجهتْ بكَ دابَّتُكَ في السفر هذه قِبْلَتُكَ في الصلاة. -قال المؤلف : وأمَّا الحديثُ الذي رواه الترمذي وهو " الراحمون يرحَمُهُمُ الرحمنُ ارحموا مَنْ في الأرض يرحَمْكُم مَنْ في السماء " : هذا الحديث أيضًا هؤلاء المشبهة أحيانًا يتمسكون به ولا مُتَمَسَّكَ لهم. يقولون " ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء " هذا يدلُّ على أنَّ الله موجودٌ في السماء وليس معناه كذلك. " ارحموا مَنْ في الأرض " ارحموا أهلَ الأرض، " يرحمكم مَنْ في السماء " الملائكةُ الذين في السماء. هو النبيُّ عليه الصلاة والسلام أخبرنا أنَّ السموات مملوءاتٌ بالملائكة، هو أخبرنا " مَنْ في السماء " " ما في السماء موضِعُ أربعِ أصابع إلا وفيها ملكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجد ". -قال المؤلف : وفي رواية أخرى " يرحمْكم أهلُ السماء " : فهذه الروايةُ التي رواها عدةٌ من أهل الحديث، عدةٌ من الحفاظ في كتب مشهورة في مُسند الإمام أحمد وفي كتاب عبد الله بنِ المبارَك وغيرِهما، هذه الرواية " ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم أهلُ السماء " فيها " يرحمكم أهلُ السماء " هذه الرواية تدلُّ على أنَّ مَنْ في السماء المرادُ به الملائكة، لأنَّ هؤلاء الذين يقال فيهم أهلُ السماء. الله لا يقال فيه " أهلُ السماء " كما هو ظاهر، كما يعرِفُ كلُّ أحد. فهذه الروايةُ دلَّتْ على معنى الرواية الأخرى للحديث. -قال المؤلف : فهذه الروايةُ تفسر الروايةَ الأولى لأنَّ خيرَ ما يُفَسَّرُ به الحديثُ الواردُ بالوارد : أحسن ما فَسَّرْتَ به الآيةَ أو الحديث هو ءايةٌ أو حديث. أحسنُ ما تُفَسِّرُ به شيئًا وَرَدَ في الشرع هو شىءٌ وَرَدَ في الشرع. -قال المؤلف : كما قال الحافظ العراقي في ألفِيَّتِهِ " وخيرُ ما فسرتَه بالوارد ". -قال المؤلف : ثم المرادُ بأهل السماء الملائكة، ذَكَرَ ذلك الحافظُ العراقي في أمالِيّه عَقيبَ هذا الحديث، ونصُّ عبارته " واستُدِلَّ بقوله " أهلُ السماء " على أنَّ المراد بقوله تعالى في الآية { ءأمنتم مَنْ في السماء } الملائكة "ا.ه. : وقبل الحافظ العراقي بزمان، السيدُ الإمام أحمدُ الرفاعي رضي الله عنه فَسَّرَ هذا الحديثَ بذلك، قال " يرحَمْكم مَنْ في السماء أي يرحَمْكُم أهلُ السماء " وعلى هذا تدلُّ الرواياتُ المختلِفةُ للحديث. إذن ليس فيه دليل على أنَّ الله قاعد في السماء كما يقول المشبهة. -قال المؤلف : لأنه لا يقال لله " أهلُ السماء ". و" منْ " تصلُحُ للمفرد وللجمع : و "مَنْ " تُستعْمَل للمفرد وتستعمَل للجمع. منْ يأتي ؟ قد تقصِدُ به جماعة وقد تقصِدُ به واحدًا. -قال المؤلف : فلا حُجَّةَ لهم في الآية { ءأمنتم مَنْ في السماء أنْ يَخْسِفَ بكم الأرض }: يعني {ءأمنتم مَنْ في السماء أنْ يَخْسِفَ بكم الأرض } يعني ءأمنتُم جبريل أنْ يَخْسِفَ بكمُ الأرض أو ءأمنتُمُ الملائكة أنْ يَخْسِفَ أي جِنْسَ الملائكة. العربُ تقولُ هذا، { ءأمنتم مَنْ في السماء } ويريدون أنْ يفعلَ كذا ويريدون الجمعَ أي الجِنْس، جنسَ الملائكة أنْ يخسِفَ بكم الأرض. بلِ الحديثُ الذي فيه " ارحموا أهلَ الأرض يرحمكم أهلُ السماء " يدلُّ على أنَّ المقصود بـ " منْ في السماء " الملائكة. -قال المؤلف : ويُقالُ مثلُ ذلك في الآية التي تليها وهي { أم أمنتم مَنْ في السماء أنْ يُرْسِلَ عليكم حاصِبًا } فـ " مَنْ " في هذه الآيةِ أيضًا أهلُ السماء : ولا يقال " لكنْ هنا استُعْمِلَتْ " مَنْ " للمفرد، لا. " مَنْ " تستعمَلُ للمفرد وتستعملُ للجمع. ليس صحيحًا أنها تُستعمَلُ للمفرد فقط، الله قال { ومنهم مَنْ يستَمِعون إليكَ } وفي موضع ءاخر { مَنْ يستمِعُ إليكَ } هذا يدلُّ على أنَّ " مَنْ " تستعمَلُ للجمع وتستعمَلُ للمفرد. -قال المؤلف : فإنَّ الله يُسَلِّطُ على الكفار الملائكة إذا أراد أنْ يُحِلَّ عليهم عقوبتَه في الدنيا كما أنهم في الآخرة هم الموكَّلُون بتسليط العقوبة على الكفار لأنهم خَزَنةُ جهنم : هم الذين يَتَوَلَّوْنَ ما يحصُلُ في جهنم. بأيديهم يحصُلُ العذابُ للكفار فيها. -قال المؤلف : وهم يجرُّونَ عُنُقًا من جهنمَ : عُنُقًا من جهنم جزءًا من جهنم. -قال المؤلف : إلى الموقف ليرتاع الكفارُ برؤيته : لِيَخافَ الكفارُ خوفًا شديدًا برؤيته. -قال المؤلف : وتلك الروايةُ التي أوردها الحافظ العراقيُّ في أماليّه هكذا لفظُها " الراحمون يرحمهم الرحيمُ ارحموا أهلَ الأرض يرحَمْكم أهلُ السماء" : هذا لفظُ روايةِ الحافظِ العراقي في أمالِيِّهِ، وهناك ألفاظٌ أخرى في كتبٍ أخرى من كتب الحديث وفيها ذِكْرُ أهلُ السماء، بَدَلَ " مَنْ في السماء " " أهلُ السماء ". -قال المؤلف : ثم لو كان الله ساكنَ السماء كما يزعُمُ البعض لكان الله يُزَاحِمُ الملائكةَ وهذا محال : لأنَّ السماء مملوؤةٌ بالملائكة. إذن على زعمهم الله يُزاحِمُهُم ؟!! إذا جاء في الحديث " ما فيها موضِعُ أربع أصابع إلا وفيه ملكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجد " على زعمهم الله يدخل في أقلّ من أربع أصابع يُزاحِمُ الملائكة ؟!!! ما هذه العقيدة الفاسدة، ما هذه العقيدةُ السخيفة ؟ نعوذ بالله من ذلك. -قال المؤلف : فقد ثَبَتَ حديثُ أنه " ما في السموات موضِعُ أربعِ أصابعَ وفي لفظٍ شِبْر إلا وفيه ملكٌ قائم أو راكعٌ أو ساجد " : هذا رواه الترمذي. -قال المؤلف : وكذلك الحديثُ الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيدٍ الخُدري أنَّ الرسول قال " ألا تأمَنوني وأنا أمينُ مَنْ في السماء يأتينِ خبرُ مَنْ في السماء صباحَ مساءَ " فالمقصودُ به الملائكةُ أيضًا : خَبَرُ " مَنْ في السماء "يعني الملائكة، " أنا أمينُ مَنْ في السماء " أي يأمَنُني ملائكةُ السماء، هذا معناه. ليس معناه اللهُ قاعد في السماء. -قال المؤلف : وإنْ أُريدَ به الله فمعناه الذي هو رفيعُ القدر جدًّا : وإذا واحد فَسَّرَ " مَنْ في السماء " " أنا أمينُ مَنْ في السماء " أي أنا أمينٌ عند الله يكونُ معنى في السماء الذي هو أعلى من كلِّ شىء قدرًا. كما ذكرنا أنَّ العرب يستعمِلون لفظَ " في السماء " لِعُلُوِّ القدر. إذا فسَّره بذلك لا حَرَجَ عليه، أمَّا إذا فَسَّرَ " في السماء " بمعنى أنَّ الله في جهة السماء أو أنَّ الله قاعدٌ في السماء فهذا ضلالٌ والعياذُ بالله. -قال المؤلف : وأمَّا حديثُ زينبَ بنتِ جحش زوجِ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنها كانت تقولُ لنساء الرسول " زوَّجَكنَّ أهاليكُنَّ وزوَّجني اللهُ من فوق سبع سموات " : هذا الحديثُ ذكرته زينبُ رضي الله عنها لبيان مَنْقَبَةٍ من مناقِبِها، مَزِيَّة من مزاياها. قالت لأزواج النبيّ عليه الصلاة والسلام أنتم زَوَّجَكُنَّ أهاليكُنَّ، كلُّ واحدة منكنَّ أبوها مثلا تولَّى إجراءَ العقد لها، أحدٌ من أهلها تولَّى إجراءَ العقدِ لها مع النبيّ عليه الصلاة والسلام، أمَّا أنا فقد جرى تزويجي من فوق سبعِ سموات، الله تعالى زَوَّجَني النبيَّ عليه الصلاة والسلام بحيث جرى التزويجُ من فوق سبع سماوات، ليس معناه أنَّ الله كان قاعدًا فوق سبع سموات فقال للنبيّ زوجتُكَ للنبيّ فقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام قَبِلْتُ زِواجَها، لا يقولُ هذا ذو عقل. إنما معناه أنَّ التزويج جرى من فوق سبع سموات، جرت كتابةٌ فوق السماوت السبع بها، بهذه الكتابة صارت زينبُ زوجَ النبيّ عليه الصلاة والسلام، لا بتزويج أهلِها لها، أحدٌ من أهلها لها. فكان هذا مزيَّةً لها. ليس كما تخيَّلَ بعضُ المشبهة أنَّ الله تبارك وتعالى قاعدٌ فوق سبع سماوات وقال للنبيّ زوجتُكَ زينب قال النبيُّ قَبِلْتُ زِواجَها، هكذا حَصَلَ التزويج، حاشا أنْ يُنْسَبَ مِثْلُ هذا إلى ربِّنا عزّ وجلّ. -قال المؤلف : فمعناه أنَّ تزوّجَ النبيّ بها مُسَجَّلٌ في اللوح المحفوظ وهذه كتابةٌ خاصة بزينبَ، ليست الكتابةَ العامة. الكتابةُ العامة لكلِّ شخص : كلُّ شخص يتزوَّج مكتوبٌ في اللوح المحفوظ أنه يتزوج، ليس المقصودُ أنه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ يتزوج النبيُّ زينب في وقت كذا، ليس هذا المقصود. المقصودُ كتابةٌ أخرى، شىءٌ ءاخر مكتوبٌ في اللوح في المحفوظ، بهذه الكتابة لـَمَّا صار الوقت صارت زينبُ زوجًا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم. كتابةٌ خاصة. -قال المؤلف : فكلُّ زواج يحصُلُ إلى نهاية الدنيا مسجَّل، واللوحُ فوق السموات السبع : لذلك قالت " من فوق سبع سماوات " " زوَّجني اللهُ من فوق سبع سموات " أي أنَّ التزويج وَقَعَ من فوق سبع سموات، ليس معناه أنَّ الله قاعدٌ فوق سبع سموات. إذا قلتَ لواحد أتيتُ لكَ بكذا من الصين معناه أنتَ كنتَ في الصين ثم جَلَبْتَهُ ؟ ليس شرطًا، إنما معناه أنَّ جَلْبَ هذا الغرض حَصَلَ من الصين. وكذلك التزويجُ حَصَلَ من فوق سبع سموات، هذا معناه. -قال المؤلف : وأمَّا الحديثُ الذي فيه " والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه " : يدعوها للجماع يعني، يدعوها لجِماعها. -قال المؤلف : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : فتأبى عليه " ترفُضُ من غير عذر، إذا لم يكنْ لها عذرٌ. -قال المؤلف : قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم : إلا كان الذي في السماء ساخِطًا عليها " الحديث : أي إلا كانتِ الملائكةُ ساخِطَةً عليها. الروايةُ الأخرى للحديث تُبَيِّنُ ذلك، ستأتي. " إلا كان الذي في السماء " أي الجِنْسُ الذي في السماء الذي هو الملائكةُ ساخِطًا عليها، سَخَطَتْ عليها الملائكة لأنَّ الملائكة إذا فَعَلَتْ ذلك المرأة تَلْعَنُها حتى تُصْبِح، إلى أنْ يَطْلَعَ الصباح، الملائكةُ تَلْعَنُ مَنْ تفعلُ هذا. وهذا يدلُّ على عظيم حقِّ الزوج على المرأة في هذا الأمر، وهو أمرٌ قد تُهْمِلُهُ كثيرٌ من النِّسْوة ولا ينبغي ذلك. -قال المؤلف : فيُحملُ أيضًا على الملائكة بدليل الرواية الثانية الصحيحة والتي هي أشهرُ من هذه وهي " لعنتها الملائكةُ حتى تصبِح " رواها ابنُ حبان وغيره. -قال المؤلف : وأمَّا حديثُ أبي الدرداء أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال " ربَّنا الذي في السماء تقدَّسَ اسمُكَ " فلم يَصِحَّ بل هو ضعيفٌ كما حَكَمَ عليه الحافظ ابنُ الجوزي : هذا الحديثُ " ربَّنا الذي في السماء تَقَدَّسَ اسمُكَ " غيرُ صحيح، الحافظُ ابنُ الجوزي قال غيرُ صحيح. بعض المشبهة يتمسَّكُ به، يقول " جاء في الحديث ربَّنا الذي في السماء ". أصلا لو صَحَّ ليس له تَمَسُّكٌ فيه لأنَّ الحديث يكونُ معناه " ربَّنا الذي في السماء تَقَدَّسَ اسمُك " الخ، فيكونُ الذي في السماء تَقَدَّسَ اسمُكَ إخبارًا عن الموضع الذي يُقَدِّسُ فيه الملائكةُ اسمَ الله تبارك وتعالى، يُقَدِّسون اللهَ، ليس معناه أنَّ الله قاعد في السماء. ولو فَسَّرَهُ أحدٌ " ربَّنا الذي في السماء " بمعنى الذي هو أعلى من كلِّ شىء قدرًا، أيضًا يَصِحّ، لكنْ هذا كلُّه لا حاجةَ إليه لأنَّ الحديثَ غيرُ صحيح فليس فيه حُجَّة. -قال المؤلف : ولو صَحَّ فأمرُهُ كما مَرَّ في حديث الجارية : يعني قد يُفَسِّرُهُ البعضُ بأنَّ معناه أعلى من كلِّ شىء قدرًا لكنه غيرُ صحيح فلا يُحتاجُ فيه إلى ذلك. -قال المؤلف : وأمَّا حديثُ جُبير بنِ مُطْعِم عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم " إنَّ الله على عرشه فوق سمواته، وسمواتُهُ فوق أراضيه مثلُ القُبَّة " فلم يُدْخِلْهُ البخاري في الصحيح فلا حجةَ فيه : يعني هذا الحديثُ غيرُ ثابت، " إنَّ الله على عرشه فوق سمواته وسمواتُهُ فوق أراضيه مثلُ القُبَّة " لم يُدْخِلُهُ البخاريُّ في الصحيح، لماذا قال هذا شيخُنا رحمه الله ؟ لأنَّ هذا الحديثَ رواه البخاري في خارج الصحيح. فلمَّا صَنَّفَ كتابَ الصحيح الذي أفرَدَه للأحاديث الصحيحة ما أدخَلَ هذا الحديثَ فيه وذلك لأنَّ هذا الحديثَ ليس صحيحًا. -قال المؤلف : وفي إسناده منْ هو ضعيفٌ لا يُحتجُّ به، ذكره ابنُ الجوزي وغيرُه : فيه راوِيانِ لا يُحتجُّ بهما كَمَا ذَكَرَ ذلك ابنُ الجوزي وغيرُهُ في كتابه، ابنُ الجوزي ذكر هذا في " دَفْعِ شُبْهَةِ التشبيه ". -قال المؤلف : وكذلك ما رواه في كتابه " خلقُ أفعال العباد " : ما رواه البخاري يعني في كتابه " خلقُ أفعالِ العباد " البخاري له كتابٌ صَنَّفَه لتأكيد أنَّ الله هو خالقُ أفعال العباد، أنَّ العبدَ لا يخلُقُ فِعْلَه سمَّاه " خلقُ أفعالِ العباد " في هذا الكتاب روى حديثًا ما هو ؟ -قال المؤلف : عن ابن عباس أنه قال " لـَمَّا كَلَّمَ اللهُ موسى كان نداؤه في السماء وكان الله في السماء " فهو غيرُ ثابت ولا يحتجُّ به : هذا الحديثُ أيضًا غيرُ ثابت، البخاريُّ ما أدخَلَه في كتابه في الصحيح إنما رواه في كتاب " خلقِ أفعال العباد ". أحيانًا الحفاظ لو لم يكنْ الحديثُ صحيحًا يذكُرونَه بإسناده في بعض كتبهم حتى يَتَبَيَّنَ ما هو طريقُ هذا الحديث، وحتى يُعْرَفَ حالُهُ لأنهم إذا لم يذكروا سَنَدَه قد لا يُعْرَف موضِعُ الضَّعف، قد يقولُ إنسانٌ هذا حديثٌ ثابت، لكنْ إذا ذكروا الإسناد يَظْهَرُ ويَتَبَيَّن أنَّ الضَّعْفَ من فلان وأنَّ الضعف بهذا السبب أو بهذا السبب. لكنْ عندما صَنَّفَ كتابَه الصحيح الذي أفردَه للأحاديث المتصلةِ الإسناد المحكوم عليها بالصِّحَّة لم يُدْخِلْهُ فيه لأنَّ البخاري رحمه الله لا يحكُمُ على هذا الحديث بالصِّحَّة. -قال المؤلف : وأمَّا القولُ المنسوب لمالك وهو قولُ " الله في السماء وعلمُهُ في كل مكان لا يخلو منه شىء " فهو غيرُ ثابت أيضًا عن مالك : هذا مَرْوِيٌّ من طريق عبدِ ابنِ نافع وهو لا يُحْتَجُّ به. فإذن هذا الكلامُ عن مالك رضي الله عنه غيرُ ثابت، ليس حجةً. كثيًرًا ما يذكُرُه المشبهة، يقولون " قال مالك الله في السماء " وهو غيرُ صحيح، لا يَثْبُتُ عن مالك كما ذكر ذلك ابنُ جماعة وغيرُهُ. -قال المؤلف : غيرُ مُسندٍ عنه، وأبو داودَ لم يُسنِده إليه بالإسناد الصحيح بل ذكره في كتابه " المسائل " : كتابٌ اسمُهُ " مسائلُ أحمد " لأبي داود، ذَكَرَه مجردَ ذِكْر فيه أبو داود. وإذا ذُكِرَ الحديثُ مجردَ ذِكْرٍ في الكتاب هذا لا يدلُّ على أنه صحيح. -قال المؤلف : ومجردُ الرواية لا يكونُ إثباتًا : صحيح، إلا إذا كان الكتابُ مُصَنَّفًا ألَّفَهُ حافظٌ لجمع الأحاديث الصحيحة حتى يذكُرَ فيه الأحاديثَ الصحيحة فقط، وإلا غيرُ ذلك لا يكونُ إثباتًا للحديث. وكما قلنا فيه عبدُ بنُ نافع وهو لا يعتمَدُ عليه بالمرة.