ضرب الله مثلاً لليهود لما تركوا العملَ بالتوراة التي أُنزلت على سيدنا موسى عليه السلام ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال:
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}
هم اليهود كُلِفُوا العملَ بما في التوراة من الأوامر والنواهي والإيمانِ بمحمد
صلى الله عليه وسلم
ثم لم يحملوها أي لم يعملوا بما فيها
وكذّبوا الرسول صلى الله عليه وسلم والتوراة فيها الدليل على نبوته
هؤلاء مَثَلُهُم كمثل الحمارِ يحملُ أسفارا أي كتبا
شبهَ اليهودَ الذين كُلفوا العملَ بما في التوراة وهم لا يعمَلون بها
بالحمار الذي يحملُ كتبًا ولا يعقل ما يحملُ ولا ينتفع بها
وليس له إلا ثِقَلُ الحِمْلِ من غير فائدة
{بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللهِ}
بئس كلمةُ ذم والمراد ذم هؤلاء الذين كذبوا بآيات الله أي بالقرءان والتوراة حين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم
وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ: أي من كان في علم الله أنه يكون كافرًا يموت على الكفر لا يهديه الله عزّ وجلّ.
{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
قُلْ يا محمد لليهود أي أحبابه وأصفياؤه من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين
وذلك لأن اليهودَ ادّعت دَعاوى باطلة حكاها الله عزّ وجلّ عنهم في كتابه فاليهود رأوا لأنفسِهم فضلاً على سائر الناس بزعمهم أنهم أولياء الله فأمرهم الله بأن يتمنوا الموت مع علمه سبحانه أنهم لن يتمنَوه فأمرهم الله بأن يتمنوا الموت لإقامةِ الحجة عليهم وفضحِهم في الدنيا قبل الآخرة وبيانِ كذبهم فيما زعموا من أنهم أقربُ الناس إلى الله تعالى
فقال عزَّ وجلَّ:{فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}أي فيما زعمتم من الأقوال الباطلة أمرهم أن يتمنوا الموتَ لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموتُ أحبَ إليه من الحياة في الدنيا لِمَا يصير إليه من نعيم الجنة و لِما يزولُ عنه من أذى الدنيا فأحْجَمُوا عن تمني ذلك لمعرفتِهم بقبح أعمالهم وكفرِهم وحرصِهم على الدنيا ولهذا قال الله تعالى مخبرًا عنهم بقوله:
{وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي بما اكتسبوا في هذه الدنيا من المعاصي والكفر والتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم.
{وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} إنهم ظلموا أنفسهم بترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فاستحقوا العذاب في الآخرة والله عالم بهم.
{قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}
قل يا محمد لليهود إن الموت الذي تفرون منه فتكرهونه وتأبَون أن تتمنَوه
فإنه ملاقيكم أي لاحقٌ ونازلٌ بكم فلا تستطيعون الفِرارَ منه
{ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
أي من بعد مماتكم تبعثون وتحشرون إلى الله عالم الغيب والشهادة الذي لا يخفى عليه شىء من أعمالكم فالله هو عالم الغيب والشهادة فالغيب ما غاب عن العباد مما لم يعاينوه و الشهادة ما شاهدوه فيخبركم حينئذ بما كنتم تعملون في الدنيا من الأعمال فيجازيكم عليها