fbpx

9 :تفسير جزء قد سمع – الحلقة

شارك هذا الدرس مع أحبائك

أخبر الله سبحانه وتعالى ما جرى بين الكفار والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة فقال عزّ من قائل: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أَلَمْ تنظرإِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا أي أظهروا الإيمان وأضمروا الكفرَ والعداوةَ لله ولرسوله وهم عبدُ الله ابنُ أُبيِّ بنِ سلولٍ وأصحابُه ومن كان معهم على مثل أمرهم من النفاق يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب وهم يهود بني النضير جعلهم إخوانَهم لأنهم كفارٌ مثلُهم يقول المنافقون لليهود من بني النضير لئن أخرجتم من دياركم ومنازلكم وأُجليتم عنها لنخرجَن معكم ولا نطيع في قتالكم أحدا أبدا أرادوا بذلك أنهم لن يطيعوا الرسولَ والمؤمنين في قتال بني النضير وقالوا لهم أيضا إن قوتلتم لننصرَنكم أي لنعيننَّكم ولنقاتلن معكم فكذبهم الله تعالى بقوله {وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فالمنافقون كاذبون فيما قالوا ووعدوا إخوانَهم اليهودَ الكفرة. {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} لَئِنْ أُخرجَ بنو النضير من ديارهم لا يخرجُ معهم المنافقونَ الذين وعدوهم بالخروج معهم من ديارهم ولَئِنْ قاتلهم النبيُ ﷺ وأصحابُه المؤمنون رضي الله عنهم لا ينصرُ المنافقون بني النضير {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} وإنما قال الله ولئن نصروهم بعد الإخبار بأن المنافقين لا ينصرون بني النضير على الفرض والتقدير لأن الله نفى نصرهم فلا يجوز وجوده أي لَئِنْ قُدِّرَ وجودُ نصرِهم لَيُوَلُنَّ الأدبارَ مُنهزمين ثم لا يُنصرون أي لَيَنْهَزِمَنَّ اليهود ثم لا ينفعهم نُصرةُ المنافقين وفي هذه الآية دليلٌ على أن اللهَ علمُه شاملٌ لجميع المعلومات ما كان منها وما يكونُ وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون ثم إنه تعالى بيّن أن خوف المنافقين واليهود من المؤمنين أشدُ من خوفهم من الله فقال عزَّ وجلَّ: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ} لأنتم يا معشر المسلمين أشدُ مرهوبيةً في صدور اليهود من بني النضير أي يخافون منكم أكثر مما يخافون من اللهِ الذي خلقهم والقادرِ على إنزال أشدِ العذاب بهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} ذلك الخوفُ منكم بسبب أنهم قوم لا يفقهون لا يعلمون عظمة الله حتى يخشَوهُ حقَ خشيته {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} لا يقاتلكم بنو النضير وجميع اليهود والمنافقون مجتمعين متساندين يعضُدُ بعضُهم بعضًا إلا في قرى محصنةٍ أو من وراء جُدُر أي حيطانٍ يستترون بها لجُبنهم لا يبرزون لحربكم إنما يقاتلون متحصنين بالخنادق والحيطان والدروب، والدروب جمع درب وهو الباب الكبير {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أي عداوة بعضهم لبعض شديدة و حربهم وقتالهم فيما بينهم شديد أما إذا قاتلوكم فلا يبقى لهم بأس {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} أي تظن أن اليهودَ والمنافقينَ مؤتلفينَ وأن كلمتَهم مجتمعة وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى: أي مختلفةٌ متفرقة فأهل الباطل مختلفةٌ ءاراؤهم مختلفةٌ أهواؤهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} أي ذلك التَشَتُتُ بسبب أنهم قوم لا يعقلون ما فيه صلاحهم. ثم ضرب الله مثلاً لليهود فقال: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا} مثل هؤلاء اليهود كمثل المشركين الذين كانوا من قبلهم في زمان قريب وذلك لقرب غزوة بني النضير من غزوة بدر {ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي نالهم عقابُ الله على كفرهم به ولهم في الآخرة مع ما نالهم في الدنيا من الخزي عذابٌ مؤلم. {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ} يعني مثل هؤلاء المنافقين مع بني النضير من اليهود في إغرائِهم وخِذلانهم إياهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر أَغْراهُ على الكفر وزيَّنه له ووعده على اتباعه إياه وكفرِه بالله النصْرةَ عند الحاجة إليه فلما كفر هذا الإنسانُ الذي أغراه الشيطان ولما احتاجه إلى نصرته قال الشيطان إني بريء منك تبرأ منه الشيطان وزعم كاذبًا قائلا إني أخاف الله رب العالمين وليس قولُ الشيطان هذا حقيقةً إنما هو على وجه التبرؤِ من الإنسان هذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى للكافر في طاعة الشيطان {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} فكان عاقبة الشيطان وذلك الإنسان أنهما في النار خالدَين فيها وذلك جزاء الظالمين أي الكافرين.