fbpx

قالت – الحلقة: 5

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قالت ألا تستحي أن تعبد خشبة طرق تعليم الناس والدعوة إلى الله كثيرة… وليست محصورة بالشيخ في المسجد والأستاذ في المدرسة، بل كل مسلم يمكنه أن يكون داعيًا إلى الله… وليس هذا محصورًا بمجلس علم أو حلقة ذكر، بل كثير من المواقف والأمور التي تحصل معنا يمكن فيها الإرشاد والتوجيه والنصح والدعوة… كيف لا وقد عني هذا الدين بجوانب حياتنا المختلفة… فلم تقتصر تعاليمه على كيف تتوضأ وتصلي وكيف تصوم وكيف تزكي وكيف تحج، بل فيه أكثر من هذا بكثير، ومن ذلك ما يتعلق بالتعامل مع الناس، ما يكون بينك وبين شخص ءاخر… كيف تبيع وتشتري….كيف تُصادِق….كيف تُعلِّم…. كيف تتعلم ….كيف تخطُب….. وكيف تتزوج…. في كل هذا، يمكن الشخص أن يكون داعيًا إلى الله… فيكون تاجرًا داعيًا، تلميذًا داعيًا، معلمًا داعيًا، زوجًا داعيًا…. كلامنا اليوم على امرأة ضربت مثالًا جميلًا في هذا…. امرأة قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: “دخلت الجنة فسمعت خَشْفة” أي صوتًا “فقلت: من هذا؟ قالوا: “هذه الغُمَيصاء بنت مَلْحان” أم سُليم رضي الله عنها، أم سيدنا أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم…. كانت في المدينة، من الأنصار، وكانت متزوجة من مشرك، ثم أسلمت ولم يسلم زوجها… ترك المدينة وذهب إلى الشام وتوفي هناك…. ممن جاء يخطب أم سليم بعد ذلك أبو طلحة… وكان هذا قبل إسلامه…. وكان من رجال المدينة المعروفين… جاء وكان كافرًا يريد خطبة أم سليم وهي مؤمنة… والمؤمنة لا يحل لها أن تتزوج كافرًا… كان الأمر واضحًا في ذهن أم سليم… هذا كافرٌ لا يجوز لها أن تتزوجه… مهما حاول أن يغريها بالمال، وقد فعل… بقيت ثابتة على موقفها…. لكن، نظرت إلى هذا الأمر من حيثية أخرى… هذا شخص أستطيع أن أعلِّمه وأدعوه إلى الإسلام…. هذا شخص قد يمكنني أن يكون لي يد في جعله يترك الشرك بالله…. هذا رجل يمكنني أن أدله على طريق الخير حتى يؤدي أعظم حقوق الله على عباده ويؤمن بالله ورسوله…. بينت أم سليم لأبي طلحة أنها مسلمة، والمسلمة لا يحل لها أن تتزوج كافرًا…… لكن لم تكتف بهذا، بل قَرَنَتْ ذلك بما يدفعه للتفكير… بما ترجو أن يظهر له به بطلان عبادة الأصنام ويبعده عن ذلك.. بما يدله على حقية الإسلام والفرق بينه وبين الشك.. قالت له: “أتزوجك وأنت تعبد خشبة نجرها حبشي بني فلان؟” وفي رواية: «أفلا تستحي أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها” أي قطعها ونحتها “حبشي بني فلان؟”…. كيف تعبد شيئًا مخلوقًا؟ هذه الخشبة التي تعبدها لا تستحق العبادة… احتياجُها ظاهر، والمحتاج كيف يُعبَد؟ شكلها الذي هي عليه وحجمها يدل على أن هناك من جعلها على هذا الحجم، كيف تعبدها؟ كيف يقبل عقلك أن تستحق الألوهية… وهكذا كل جسم… الجسم له طول وعرض وعمق… وهو محتاج إلى من جعله على هذا الطول وهذا العرض وهذا العمق…. أنا الله جعلني على هذا الطول… لم يجعلني أطول ولا أقصر… كان يمكن عقلًا أن أكون أطول من هذا أو أقصر من هذا، لكن الله خصصني بهذا الطول تحديدًا…. وهكذا كل جسم، يحتاج إلى من جعله على الحد الذي هو عليه…. الإنسان والحيوان والنبات… الشجر والحجر والشمس والقمر والسماء والأرض.. فما كان جسمًا فهو محتاج لا يكون إلهًا.. لا تصح عبادته…. دلته أم سليم بهذا الذكاء على بطلان دينه وحقية دين الإسلام الذي يدعو الى عبادة الله الواحد الذي لا شريك له، الذي لا يشبه مخلوقاته، وليس جسمًا ذا طول وعرض وعمق، وهو تعالى ليس في مكان، لأن الجسم هو الذي يحتاج إلى المكان، تعالى الله عن ذلك…. بينت أم سليم لأبي طلحة الحق، مع الاستدلال، وجعلت له ما يحفزه…. قالت له إن أنت أسلمت لم أرد منك من الصداق غيره، معناه لا أريد منك مهرًا غير ذلك…. هكذا يكون من هو متعلق القلب بالآخرة وجعل همه في الدنيا الدعوة إلى الله… وفق الله أبا طلحة، فجاء بعد ذلك مسلمًا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله… كانت أم سليم رضي الله عنها سببًا في هدايته… فتزوجا…. قال ثابت فما سمعنا بمهر قط كان أكرمَ من مهر أم سليم… كيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم: “فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم”… رضي الله عنها وعن زوجها.