fbpx

قالت – الحلقة: 6

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قالت فإنك لم تصب بمصيبتي نعرف من القصص الكثير الكثير، ونستمتع بسماع قصص جديدة تصوِّر لنا عزَّةً وبطولات نشتاق إليها، نتمنى أن لو رأينا مثلها في زماننا… نتأثر بها…. لكن، الواقع أنه، في كثير من الأحيان، لا نفعل زيادة على هذا… نحن نتأثر، لكن، غالبًا، لا نتعظ بهذه القصص إلى حد أن نطبِّق…. نُعجب بتصرفات أولئك الأبطال، نعم… نتمنى أن لو كنا مثلهم…. نسمي أولادنا بأسمائهم……. لكن قليل من يعمل مثل ما عملوه… مع قناعتنا أن ما عملوه خير عظيم…. ولسان حال كثير منا… ممن سمع ولم يتمثَّل حقيقة بأولئك الأبطال… “يا أخي أولئك صحابة”… “ذاك أبو بكر”…. عمر وما أدراك ما عمر”… “عثمان ذو النورين”… “علي …”خديجة”… “فاطمة”… “عائشة”… نعم أولئك صحابة…. نعم جعل الله لهم مزية ليست لنا…. نعم نالوا من البركات برؤيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ما حُرمنا منه… نعم، لا نصل إلى مرتبة أبي بكررضي الله عنه… نعم، لن نكون كفاطمة رضي الله عنها في الفضل…. لكن نستطيع أن نتشبه بهم… نعمل مثل ما عملوا… هم… بشر مثلنا، وأصابهم ما يصيبنا.. يعانون ويتألمون وتميل أنفسهم إلى الراحة، ويجوعون ويعطشون، ويحزنون لفقد حبيب، ويخافون، ويشعرون بالألم والمرض، والحر والبرد…. أبو بكر رضي الله عنه تألم عندما لدغته الحية يوم كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور في الهجرة المباركة… خديجة رضي الله عنها عانت في حصار قريش للمسلمين عندما بقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين…. أبو هريرة كان يغمى عليه من شدة الجوع… أم سلمة اشتاقت لولدها عندما منعها المشركون منه سنة… فاطمة رضي الله عنها كانت تتعب من عمل البيت… الزبير كانت عليه ديون يريد قضاءها…. لم يكونوا محفوظين من هذه الأمور البشرية لا يشعرون بها.. ليسوا ملائكة لا يحتاجون للأكل ولا للشرب ولا للنوم…. بل هم بشر، مثلنا.. عرفوا كما عرفنا أننا نصير إلى دار الحساب، فاختاروا أن يستعدوا له … اختاروا أن يصبروا… اختاروا أن ينصروا الدين… اختاروا أن يقدّموا طاعة الله تعالى على غير ذلك…. اختاروا أن يعملوا الخير… كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول لولا يومُ القيامة لكان غيرُ ما ترَون… معناه لو أردت أن أترك الأمر لهواي وما أميل إليه، لرأيتم مني، من أفعالي ومن أقوالي، غير ما ترون… لكن، هناك يوم قيامة، هناك يوم يحاسب فيه الناس على أفعالهم…. قال تعالى يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ… واستعدادًا لذلك اليوم، سعى سيدنا عمر كغيره من أولئك الأكابر أن يفعل ما يسرُّه أن يراه ذلك اليوم في صحائف أعماله… فاختار طاعة الله تعالى… وكلنا لنا اختيار…. مهما بلغ بك الضيق، يبقى لك اختيار… مهما اشتد غضبك… لك اختيار… مهما كان حزنك عميقًا… لك اختيار… مهما كانت المصيبة كبيرة، لك اختيار… وعليك في كل احوالك أن تتقي الله…. أحيانًا… الواحد منا قد يتوهم عندما تنزل به المصيبة أنها أشد من مصيبة غيره… أن معاناتَه فاقت معاناةَ غيره بأضعاف… فإذا نصحه شخص يقول هذا لا يعرف قدر مصيبتي… فلا يتعظ به ولا يعمل بنصيحته… والواقع أن هذا في كثير من الأحيان ليس صحيحًا…. وانظروا معي إلى قصة تلك المرأة التي مات ابنها… كانت واقفة على قبره، فمرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم… لم تعرف هي في ذلك الوقت أن هذا الشخص هو رسول الله…. أمرها صلى الله عليه وسلم بالصبر، فقالت له -غيرَ عالمة أن هذا رسول الله-: “إليك عني” ابتعد عني، اتركني، قالت: “فإنك لم تصب بمصيبتي” أنت ما نزل بك مثل الذي نزل بي… أنت لا تعرف قدر مصيبتي…. وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات كل اولاده في حياته إلا فاطمة رضي الله عنها…. فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فذهبت إليه تعتذر منه فقالت: لم أعرفك.. يا رسول الله “فإني أصبر” فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»…. الصبر الكامل الذي ثوابه أعظم يكون عند فَجْأَة المصيبة… كم مرة قلت أو شعرت عندما ينصحك أحد: “أنت لا تشعر بالنار التي في قلبي”… “أنت تعظني من غير أن تعرف حقيقة شعوري”… “الكلام سهل عندما لا تكون أنت من وقعت عليك المصيبة”…. فلم تأخذ بنصيحته ولم تحسن حالك وتغير في نفسك… كم مرةً قابلت النصيحة بتبرير لنفسك… فبدلَ أن تبادر للعمل الذي نصحت به أخذت تبرر وتدافع عن نفسك… أنا مشغول… ما عندي وقت… مالي قليل…. همومي كثيرة…. الحقيقة أننا… مقصرون… لكننا قادرون على تغيير هذا… وعلينا أن نبادر إلى إصلاح أنفسنا… وإلى الاقتداء بالأذكياء الصالحين الذين أطاعوا الله…. وسيدُهم وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال ربُّنا فيه: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة” لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنة…. تقتدون به صلى الله عليه وسلم، بأفعالكم وبأقوالكم… مجرد التأثر بالقصص من غير تطبيق لا يكفي… وكيف تقتدي به صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله إن لم تعرف ما هي أفعاله وأقواله… كيف تتَّبع تعاليمه إن كنت جاهلًا بها…. كيف تعرف ما دعا إليه وما نهى عنه، ما أحبه وما كرهه، إن لم تتعلم علم الدين؟ لذلك كان طلب العلم من أهم ومن أول ما يشتغل به الساعي للنجاة في الآخرة، لا غنى له عن ذلك، بل طلب العلم أساس لا بد منه حتى تعمل بما يوافق الشرع… لا يستغني أحد عن علم الدين…. نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأن يعيننا على تهذيب أنفسنا وأن يعلمنا ما ينفعنا ويعيننا على العمل به… والحمد لله رب العالمين